الصحراء الـآن - بقلم الأستاذة ماجدة الداودي•
لكل بداية نهاية، ونحن كأعضاء منتخبين رحلتنا انتهت اليوم. اليوم وضعـنا الأقلام فوق طاولة القاعة الكبرى في بـناية المـجلس الأعلى للسلطة القضائية، بناية قل نـظـيرها بنقوشها وزخــارفــهــا تشهد على رحلتنا الشاقة التواقة للإبداع، رحلة ابتدأت يوم 6 ابريل 2017، حين أدينا اليمين أمام صاحب الجلالة محمد السادس.
كانت أول نسخة الأولى لولاية المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ظل دستور 2011، فخضنا بكل مكوناته المعينة والمنتخبة، وبخلطته التي أبى المشرع إعمالا للدستور إلا أن تكون سحرية بتشكيلتها، (خضنا) في معارك إثبات الذات وكيان السلطة القضائية والمساهمة في المشروع الإصلاحي للبناء المؤسساتي للسلطة القضائية، فمررنا عبر مرحلتين: الأولى عرفت عدة إكراهات لأنها مرحلة التأسيس، وهي مرحلة صعبة جدا وليست بالسهلة كانت كلها مطبات وهزات وعند كل هزة تجد عزيمة، وطموحا، وإرادة تتربص لبزوغ الضوء، ضوء الأمل، فدروعنا كانت متينة لأنها مسلحة بـحـب الوطن بإيماننا ووثوقنا بإرادة ملكنا الحبيب نصره الله وسدد خطاه.
ثقة سيدي في أعضاء المجلس أعطتنا شحنة من الطاقة الإيجابـية للحفاظ وترسيخ مبادئ إستقلال السلطة القضائية. أمـا المرحلة الثانية فهي مرحلة تعبيد الطريق، كان هدفنا فيها الحفاظ على المكتسبات واكتساب أخريات، انفتحنا على محيطنا الـخارجي ومددنا جسور التواصل والتفاهم، مع اعتماد مقاربة قائمة على سياسة عامة منسجمة واستشرافية بين جميع الجهات الخارجية الفاعلة. لم نتنازل عن نجاحاتنا بــل انـتـزعـنـا نجاحات ونجاحات متتالية، وبفضل رؤوية الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ، والتي ترتكز في خطوطهـا العريضة ومبادئها الكبرى وأهدافها الرئيسية، على توجيهات سامية ومرجعيات دولية ومبادئ الدستور، استطاع المجلس أن يحقق التميز في الأداء.
بكل تأكيد في بعض القضايا نتناقش ونختلف في الرأي لنجد أنفسنا موحدين يجمعنا حب وطننا، فكم أنت عظيم يا وطني. نفيض كالحليب فنرجع إلى قرار موحد بأغلبية مطلقة، فحينما يقود مجلسك إنـسـان مثقف،متمكن،واع، ومتمرس لابد أن تصل إلى بر الأمان، فيا قضاة الململكة لا تخافوا على قطاركم فهو بين "أياد" آمنة. كل هذا يا سادة في نسخة الاولى للملجلس الأعلى. استثمرنا في العنصر البشري وخضنا معركة التخليق، حرصنا على التطبيق السليم للمقتضيات الدستورية وحافظنا على الضمانات الممنوحة للقضاة، وجعلنا من القرارات التأديبية دروسا في الأخلاقيات ومرجعنا للممارسات الفضلى، أما ونحن نبت في تدبير الوضعية المعنية للقضاة، فقد قمنا بوضع معايير منسجمة مع إرادة المشرع ومواكبة لقرارات المحكمة الدستورية، فتم البت في ملفات عديدة ومتنوعة كالتعيينات والانتقالات والترقية والإحالة على التقاعد والتمديدات، بشكل يحفظ المساواة والشفافية وتكافؤ الفرص بين جميع القضاة، بالإضافة الى الدور المهم الذي لعبناه في إعطاء المرأة القاضية داخل هذا القطاع مكانتها، ومنحها فرصة لتقديم ترشيحها، كلما فتح باب التباري على مناصب المسؤولية القضائية داخل المحاكم إلى جانب زميلها القاضي واكتسابها الثقة في قدراتها الثقافية والمعرفية والقضائية.
كما كان للمجلس رأي في الأداء القضائي الذي أصبح مراقبا من قبل المجتمع، إذ يعمل على تقييمه من حيث مدى توفر معايير الجودة فيه، لذا كان لزاما أن نحث القضاة على بذل الجهود الصادقة في أداء المهام، بما يتفق والأصول الشرعية فـي مهنة القضاء انضباطا، وحزما واجتهادا، على النحو الذي يكرس ثقة المتقاضي في جهاز العدالة بصفة عامةـ وفي عمل القاضي بصفة خاصة. وقمنا بتشجيع القضاة على الإنخراط في الإنتاج المعرفي والثقافي والقانوني من خلال إصداراتهم القانونية. ولن ننسى أننا حافظنا على إعطاء الحق للقضاة في الانخراط في جمعيات، وحقهم في الانتماء مهنيا بكل حرية وتجرد.
وكان لنا شرف إعطاء الرأي في القوانين المحالة على المجلس، ووضعنا تقارير حول وضعية القضاء مع وضع توصيات تتلاءم مع الوضعية الحقيقية لمنظومة العدالة.
كل هذا في النسخة الأولى يا سادة، كم أنت شامخ يا مجلسي وكم أنتم عظماء ومبدعون يا أعضاء.
فيوم 31 دجنبر 2021، وضعت أقلامنا لترفع أخرى ولتتحقق إرادة مشرعنا الحكيمة، وأنا على يقين أن الأعضاء المنتخبين الجدد سيساهمون في الانخراط في المسلسل الإصلاحي الديمقراطي، بما يتناسب ومخرجات النموذج التنمـوي الجديد. ويمشون بخطى ثابتة وسيسخرون جميع الوسائل لضمان حقوق القضاة الدستورية وتكريس الممارسات الفضلى. فوداعا يا مجلسي.
• مستشارة بمحكمة النقض
– عضو سابق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
– عضو باللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف