الصحراء الآن•

إبراهيم سيد الناجم

يقول مثل حساني شهير "أحجار الشح،يلتگطو فالرخا" و معناه ضرورة إستغلال الوقت و ربحه للفعل و العمل،لكن حالنا كمجتمع صحراوي بجرف وادي الذهب لم يستلهم الكبير منا ولا الصغير للأسف الشديد من المثل المذكور سوى أخر كلمة منه،أي "الرخا" فصار حالنا من "أرخا" إلى "أرخا".

نحن مجتمع حباه الله بالكثير من الصفاة و النعم التي بمقدوره العيش في ظلها دون الحاجة للغير ولا لنصائحه، و بإمكاننا ساكنة و فاعلين سياسيين و مسؤولين أن نكون تجربة يضرب بها المثل،داخل الوطن و خارجه في النمو و الإزدهار و البرامج الهادفة،الا أن النعمة تكون أحيانا "نقمة" على أهلها و هو ما حدث لنا بالضبط،و لك في بعض بلدان إفريقيا مثالا حيا،على النهضة و الفشل في ذات الوقت.

تحولت الخيرات الكثيرة و الوفيرة إلى "گارب مكصور" تذهب غنائمه و عائداته إلى جيوب من لا تربطه رابطة بالأرض و لا أهلها،و أوكلت زمام أمور التسيير و التدبير لغير أهلها،و أختلط "الحابل بالنابل"بعدما كنا بالأمس القريب "مدة" واحدة و جسم واحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى،و لا يمكن لأحد أن ينكر على أن جهة الداخلة وادي الذهب كانت الوحيدة من بين الجهات الصحراوية، التي كانت ساكنتها تعيش سلاما و سكينة بدون تعصبات قبلية و لا تأثيرات إنتخابوية،و بحكمة رجال إن تحدثوا أنصت الجميع.

لقد تغير كل شيء على هذه الرقعة الجغرافية حتى أصبحنا نسائل ضمائرنا عن سبب البقاء عليها و نحن غرباء،ممنوعين من التعبير عن أرائنا،من الجهر بمواقفنا،من الحديث عن قضايا تشغل بالنا،لنا الحق فقط في متابعة مباراة من فصيلة "هدوه..ردوه" على شاكلة تلك التي جمعت بين منتخبي السعودية و ألمانيا بكأس العالم سنة 2002،فواقعنا اليوم كمنتخب السعودية التي تملك من الأموال ما لا يعد ولا يحصى و أستقبلت ثمانية أهداف من ألمانيا التي تعمل فقط و تعي جيدا بأن المال بدون حكمة ولا عقل لا خير يرجى منه.

يوما بعد يوم ندفع ضريبة حروب من دمائنا و لا ذنب و لا دخل لنا فيها سوى أن نخبة مسؤولينا تركت المهم و راحت أدراج الرياح و الزوابع و تركت ساكنة بأكملها تصارع واقع مرير نحن في غنى عنه،عوض الإلتحام و الإتحاد،فمتى يعي "كبار" قومنا بأن في الإتحاد قوة؟ و أننااليوم لا تنقصنا سوى تلك القوة لتغيير الواقع الذي يدمي القلوب.

أكتب اليوم ليس جلدا للذات،و إنما لضرورة الجلوس كمسؤولين و مثقفين و نخبة تحلم بواقع مغاير مع ضمائرنا و تغليب كفة العقل على العواطف و المصالح،عوض ترك المهم و الذهاب في طريق النفق المسدود و التضحية بمصير أجيال نصفها راح ضحية الهروب من هذا الواقع،سواء على قوارب الموت أو تحت تأثير المخدرات.  

و في الأخير تذكروا جيدا "عن ماهو صديگ لماجابوا رقاها،يوم ززها و لا يوم طلاها" و نحن اليوم نعيش الزز و الطلاء على لگرع.



مواضيع قد تعجبك