بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات
عقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي، جلسة مشاورات حول قضية الصحراء المغربية، وفقا لما نص عليه القرار 2440 الذي جدد بموجبه ولاية بعثة المينورسو لمدة ستة أشهر إضافية، و طالب فيه من "أنطونيو غوتيريس" الأمين العام للأمم المتحدة إبلاغ المجلس في غضون ثلاثة أشهر بآخر تطورات و مستجدات القضية.
جلسة مغلقة أعلن خلالها المبعوث الشخصي للامين العام الى الصحراء “هورست كوهلر” عزمه عقد لقاءات منفردة مع المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا شهر فبراير، بهدف التخطيط لإطلاق محادثات جديدة حول نزاع الصحراء منتصف شهر مارس المقبل.
إجتماعات ماراطونية هامة بخصوص قضية الصحراء، تعقد على مستوى أعلى هيئة أممية، تتزامن مع متغيرات إقليمية و جيو-إستراتيجية غير مسبوقة يعرفها الملف على جميع المستويات، يمكن تلخيصها في الثلاث نقاط التالية:
■اولا- نجاح المغرب في فرض مشاركة صحراويين وحدويين ضمن وفده الرسمي المشارك في مشاورات جنيف، بصفتهم ممثلين شرعيين لساكنة الصحراء الخاضعة للسيادة المغربية.
■ثانيا- قرار البرلمان الأوروبي الأخير القاضي بتجديد اتفاقيات التبادل التجاري و الزراعي و الصيد البحري، مع المملكة المغربية بما فيها منطقة الصحراء المتنازع عليها.
■ثالثا- تصويت الكونغرس الأمريكي لصالح دمج حصة الاقاليم الصحراوية من المساعدات المالية فى الحصة المخصصة للمملكة المغربية، ما يعد انتصارا كبيرا للجانب المغربي، حافظ على قرار اتخذته الأغلبية الديمقراطية داخل الكونغرس فى عهد أوباما سنة 2015، أدرج بموجبه مساعدات الاقاليم الصحراوية فى حصة المغرب الرسمية.
ما يشكل إنهيار تراجيدي لأسطورة إستحواذ البوليساريو بتمثيلية الشعب الصحراوي، و ذلك بعد فشلها الذريع في اقناع الامم المتحدة و "كوهلر" انها صوت الصحراويين الأوحد، لتجد نفسها مجبرة على أن تجالس في المفاوضات صحراويين منتخبين يرون في مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، خيارا ديمقراطيا و حقوقيا، يستجيب لمصالح الصحراويين في الخلاص الجماعي من جحيم التشرد و الشتات.
لذلك اعتدنا في مثل هذه المناسبات، على تفسير الخرجات الاعلامية والدعائية لتنظيم البوليساريو، على انها تدخل في اطار تضليل الراي العام الصحراوي, في محاولة مفضوحة للتنفيس عن الهزائم التي تمنى بها على مختلف الاصعدة, وهذا التفسير قد يكون في محله عندما يتعلق الامر بنجاحات تكتيكية و إستراتيجية يحققها المغرب على الصعيد الدولي. خصوص و ان الامر يتزامن مع فشل البوليساريو في منع الأوروبيين من توقيع اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الاوروبي بما يشمل منطقة النزاع، بعد إقتناع الاتحاد الأوروبي ان الحكم القضائي قد صدر في ردهات المحاكم بشكل نظري، دون الاستماع الى جزء كبير من الصحراويين الوحدويين القاطنين غرب الجدار، بمدن العيون وبوجدور والداخلة و السمارة و اوسرد، الذين يعتبرون ان عوائد المغرب من اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الاوروبي يستفيدون منها بشكل او آخر، و انها ساهمت الى حد بعيد في تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.
هذا الحصاد الإيجابي الذي بات يحققه المغرب في نزال قضية الصحراء على المستوى الدولي، زاده قوة و تماسكا تصريحات مندوب المغرب لدى الامم المتحدة "عمر هلال" الصارمة و الواضحة، التي أكد خلالها بأن مقترح الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط هو أقصى ما يمكن أن تقدمه المملكة لإنهاء هذا النزاع الإقليمي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه، وان المغرب بالمقابل مستعد لمنح أكبر قدر من السلطة التنفيذية لسلطات الحكم الذاتي، في خطوة مغربية شجاعة تؤكد حرص المملكة المغربية على إنهاء النزاع الصحراوي و إحلال السلام في المنطقة، خدمة لمصالح الصحراويين و الشعوب المغاربية.
تصريحات تؤكد نجاح المغرب في ترويض ما يسمى بالشرعية الدولية لصالح مشروعية مقترحه للحل السياسي, و تجديد ارادته الصادقة في إنجاح جهود الامم المتحدة لاحلال سلام دائم وعادل بالمنطقة, من خلال المشاركة البناءة و البراغماتية في مساعي المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة، وجولته المرتقبة المدعومة من طرف كافة اعضاء مجلس الامن الدولي.
إعلان تمرد جبهة البوليساريو على الشرعية الدولية من داخل اروقة مجلس الامن الى جانب تحركاتها العسكرية الاستفزازية بالشريط العازل, لايمكن اعتباره مجرد مناورات للاستهلاك الدعائي والاعلامي، او تنفيس عن الضغط الممارس عليها, بل هو إعتراف صارخ بالدعم الواسع الذي بات يحظى به الطرح المغربي للنزاع من مجموعة أصدقاء الصحراء بمجلس الامن, ما يؤشر على نجاح المغرب في التموقع الصحيح داخل خارطة المصالح الجيو-بوليتيكية الدولية، و إثبات الذات كقوة إقليمية صاعدة، تمتلك بين أيديها أوراق ضغط فاعلة خصوصا في الجانب الأمني و مكافحة الإرهاب و الهجرة السرية، ما يجعل رؤية المغرب للحل صمام أمان للأمن و الاستقرار الشامل بمنطقة الساحل و الصحراء.
حتى الجانب الحقوقي الذي لطالما حاولت البوليساريو استغلاله في معاركها السياسية مع المغرب، انطفأ وهجه بشكل دراماتيكي عشية الإحتجاجات الشعبية العاصفة ضد جبهة البوليساريو، التي تنظمها فئات واسعة من اللاجئين الصحراويين بمخيمات تندوف منذ اسبوع، للمطالبة بعودة أحمد خليل المستشار السابق لحقوق الإنسان لدى جبهة البوليساريو، و الذي اختفى في ظل ظروف غامضة في الجزائر العاصمة منذ عشر سنوات، عندما كان يعتزم الحديث في أحد المؤتمرات سنة 2009، حول السجل الأسود للانتهاكات المرتكبة من طرف قيادات جبهة البوليساريو.
إحتحاجات شعبية عارمة قوبلت بصمت مخجل من طرف المنظمات الحقوقية الصحراوية صنيعة البوليساريو، التي تدعي الترافع و الدفاع عن حقوق الإنسان بالصحراء، ما أثبت للصحراويين بأنها مجرد دكاكين تجارية إسترزاقية، تستعملها البوليساريو مثل الدمى للتغطية على الأوضاع الحقوقية المأساوية التي يعيشها اللاجئون بمخيمات تندوف، و ذلك عن طريق تحريكهم لإشعال الأوضاع بالداخل و صناعة أزمات حقوقية مفتعلة للتسويق الخارجي.
مخططات عبثية أثبتت فشلها الذريع في تحقيق كل أهدافها المسطرة، داخليا و خارجيا، مقابل نجاحات ديبلوماسية ساحقة تحققها المملكة المغربية، نجحت في فتح أعيننا على حقيقة راسخة مفادها أن المنتظم الدولي يتجه إلى إضفاء الشرعية القانونية الدولية على المقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، و جعله قاعدة جوهرية شرعية لأي حل مرتقب لنزاع الصحراء المغربية، إنتهى الكلام